إن الرجل أكثر وفاء لأصدقائه وتشبثا بهم حتى بعد الزواج، على العكس من المرأة التي تعمد، وبمجرد ارتباطها برجل وتطلقيها لحياة العزوبية، إلى تجاهل صديقاتها وترتيبهن في آخر قائمة أولوياتها. بل يصل الأمر في الكثير من الأحيان إلى إ****هن نهائيا من حياتها، أحيانا بطريقة هادئة، وأحيانا بطريقة مباشرة وجارحة، يكون لها وقع الصدمة على الصديقات المقربات اللواتي طالما كن رفيقات وكاتمات أسرار، تقاسمن لسنوات الأفراح والأحزان.
فلماذا يحصل هذا التحول بمجرد أن ترتبط إحداهن برجل وتتزوج، من دون أي اكتراث لعمق تلك الصداقة التي كانت في يوم ما أقوى من علاقة الأخوة؟، هل الأمر له علاقة بالتركيبة النفسية للمرأة، أم له أبعاد اجتماعية مبررة؟.
تقول نجاة الإدريسي، وهي موظفة بإحدى الوزارات، إن صديقتها الوحيدة قطعت علاقتها بها عن طريق رسالة بالبريد الالكتروني أخبرتها فيها ببساطة بإنهاء هذه العلاقة، متحججة بسوء تفاهم بسيط حصل بينهما. وتضيف نجاة أنها لم تستوعب لحد الآن ما حصل رغم مرور أشهر على الحادثة، وأنها بسبب شعورها بالصدمة، اعتقدت في البداية أنها مزحة ثقيلة من صديقتها، خصوصا أن سبب الشقاق كان واهيا ولا يستحق ردة فعل بهذه القسوة. لكن بعد مرور أيام معدودة على حادثة الرسالة، يتناهى إليها أن صديقتها عقدت قرانها على شاب وتستعد لإقامة حفل زفاف، بعده ستسافر للعيش معه في مدينة مراكش. وهنا تأكدت، كما قالت، إن زواج صديقتها هو السبب الحقيقي في إنهاء علاقة الصداقة التي كانت تجمع بينهما.
أما خديجة فتقول إن علاقتها بصديقاتها المتزوجات انقطعت تدريجيا وبشكل تلقائي، ولم تشعر بأي صدمة جراء ذلك، لأنها تدرك بأن عمر الصداقات بين الفتيات قصير للغاية، ينتهي إما بانتهاء سنوات الدراسة، أو بعد الزواج. وأشارت إلى أنها لا تعرف سبب الفتور الذي يحصل في هذا النوع من العلاقات، وتعتقد انه مسار طبيعي، بعكس ما يحصل في الصداقات التي تجمع بين الرجال، التي قد تمتد من الطفولة او سنوات المراهقة والدراسة إلى ما بعد الزواج وحتى سن متأخرة من العمر. وإذا كانت خديجة اعتبرت أن الصداقة بين الفتيات لها نهاية حتمية بعد زواج كل منهن، فرشيدة الصالحي لها رأي مخالف تماما، وتقول إن الفتاة التي تضع حدا لعلاقتها مع أقرب صديقاتها بمجرد الزواج «هي إنسانة أنانية، وقليلة الوفاء، ولا تعرف معنى الصداقة. فهذا النوع يعتقد ان وجود صديقة في حياتهن قد يتسبب لهن في مشاكل مع الزوج هن في غنى عنها، مثل تبادل الزيارات والواجبات، وتكون النتيجة أنهن يبادرن إلى قطع تلك العلاقة من قبل أن يعترض هذا الزوج أو يعبر عن ضيقه، علما انه ليس بالضرورة أن يعترض الرجل على صديقات زوجته، بل هناك من يشجعها، انطلاقا من قناعته بأن تكون لها حياة اجتماعية خاصة بها، بدل الانشغال بالبيت والأطفال. ليس هذا فقط، فإن وجود صديقة صدوقة في حياتنا يشكل دعامة نفسية نلجأ إليها في كثير من الأمور».
فهل التخلي عن الصداقات بمجرد الزواج يعتبر قلة وفاء وأنانية، أم هو سلوك طبيعي له ما يبرره؟.. يجيب الدكتور عبد الكريم بلحاج، الاختصاصي في علم النفس الاجتماعي، عن هذا السؤال بقوله إن هذه الحالات موجودة، وتحصل بالخصوص في بداية فترة الزواج، حيث تتفرغ المرأة لحياتها الجديدة، لكن قد تجد في نفسها الحنين الى استرجاع تلك الصداقات في ما بعد.
ويؤكد بلحاج أن الفتور في علاقات الصداقة قد لا يحدث من منطلق سوء النية دائما، بل بسبب عدم إيجاد الوقت الكافي للتفرغ لها في ظل تراكم المسؤوليات على المرأة، لان الحياة الزوجية تفرض نمطا آخر من الحياة يختلف عن أيام العزوبية.
وأضاف: «إلى وجود مخلفات النظرة التقليدية للمرأة في الأذهان، أي تلك الفتاة التي تخرج من بيت أبيها إلى بيت زوجها ولا تربطها بالعالم الخارجي أي صلة، حيث ما زالت هناك ذهنية اجتماعية تحرص على استمرار هذه الصورة، على اعتبار ان العلاقات الاجتماعية لا يمكن ان تكون سوى مصدر إزعاج وتشويش وتهديد للحياة الزوجية».
ويشرح ان المرأة تتخلص من صديقاتها العازبات بالخصوص، لأن نظرتها إليهن يشوبها بعض الارتياب، سواء بسبب الخوف منهن على زوجها، او اتقاء لبعض السلوكيات التي قد تصدر منهن كالغيرة او الحسد. أما المتزوجات فلا تجدن أي مشكلة في الاحتفاظ بصداقتهن.
كما يفسر «قطع المرأة علاقاتها ببعض الصديقات، الى نقطة أخرى هي ان تلك العلاقات لا تكون مبنية على الصدق والثقة الكاملة، بل هي مجرد علاقات هشة أساسا، يسهل التخلص منها في أي وقت ولأي سبب، ويمثل الزواج فرصة مناسبة للهروب منها. أما إذا كانت العلاقات متينة فهي لا تتأثر، ولهذا من الخطأ تعميم هذا السلوك على جميع المتزوجات، لأن العديدات منهن يحتفظن بصداقاتهن ويعتبرنها مرجعا أساسيا لتبادل الأفكار والنصائح، خصوصا أن هذه العلاقات تكون مفيدة من الناحيتين النفسية والاجتماعية، كون الإنسان اجتماعيا بطبعه، ولا يمكن أن يعيش منعزلا عن الناس، وكأنه في جزيرة مقطوعة