اولا انا اسفة انى اتاخرت عليكوا فى الرد
وإذا كان المسلمون قد طعنوا في مفاهيمهم
الاجتماعية فإنما مراد ذلك إلى مناهج التعليم الذي يدرس المجتمعات الغربية ومنهج
مدرسة العلوم الاجتماعية الذي يقوم على إنكار فطرية الأسرة وأصالة الدين وثبات
الأخلاق ويدعو إلى التطور المطلق وإلى الجيرية الاجتماعية، كل ذلك بدراسة أبناء
المسلمين في مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم على أنه حقائق مقررة، لا على أنه نظريات
مؤقتة مرتبطة ببيئاتها وعصورها، قابلة للخطأ والصواب لأنها من نتاج عقليات بشرية
تخطئ وتصيب.
هذا هو الخطر الواضح من وراء الخنجر الذي
طعن به المسلمون ومفهوم هذا الخطر أن النفس الإسلامية في العالم الإسلامي كله من
حيث أنها قد انحسرت في بيوتها مفاهيم الثقافة الإسلامية القائمة على القرآن
والسنة، وضعفت القدرة التي تبني الشباب، فإنها تسلم إلى المدرسة شباباً غضاً، يحس
بالفراغ في مجال وجدانه وعاطفته وفكره، فلا يجد إلى مفاهيم الإسلام سبيلاً، ثم إذا
به يلتقي بتلك المفاهيم التي تصور له فكر الغرب على صورة العقيدة، وتملأ نفسه بحب
تاريخ الغير، وترفع في نظره شأن لغة الغريب وتقدم له العلم والاقتصاد والقانون
والاجتماع من نتائج مجتمعات أخرى على أنه هو الفكر الإنساني والثقافة البشرية.
وأين الفكر الإسلامي في ذلك كله
والمسلمون لهم منهج حياة كامل وله مفهوم جامع للحياة والمجتمع والسياسة والاقتصاد
والتربية.
هذا كله مما لا يزال ضائعاً ولا يزال
ناقصاً ولا يزال مهملاً.
ومن هنا فإن النفس المسلمة التي عجزت عن
أن تملأ فراغها الروحي والفكري بمقدراتها وقيمتها لا تلبث أن تملأه بأي شئ، وبما
يقدم إليها زاهياً براقاً في كتب ملونة مزخرفة، بينما هي تعجز عن أن تجد من فكرها
ما يرد عنها الخطر أو يصحح لها الخطأ أو يزيح عن نفسها الشبهات.
تلك هي القضية الأولى أيها السادة في
التحدي الخطير الذي يواجهه المسلمون اليوم في كل مكان، ومن هذه النقطة نصل إلى كل
قضية وكل أزمة، وكل موقف ومن خلال الطريق الطويل استطاعت قوى الصهيونية والاستعمار
والشيوعية أن تحقق ما وصلت إليه لأنها استطاعت أن تبث فكرها في النفس الإسلامية
وأن تحتويها وأن تنقلها من دائرة الإسلام المرنة الجامعة المتكاملة الوسيطة إلى
دائرة الغرب المغلقة القاتلة.
ومن هذه النقطة نصل إلى كل ما تطمعون فيه
من وحدة وتقدم وقيام أمة الإسلام في أرضها بدورها الرباني الإنساني العالمي الذي
هو مفروض عليها والذي هو حق في أعناقنا جميعاً والذي يجب أن نلقى (الله) عليه
صادقين وإلا فنحن آثمون مقصرون مأخوذون بجريرة الذنب.
لكي نفهم هذه القضية الكبرى أعمق فهم
لابد أن نبحث عن أبعادها إلى أقصى مدى ولا نقع في الأخطاء التي فرضها علينا نفوذ
الدائرة المغلقة بأن نقصر البحث على ما هو أمامنا من واقع لأن كل واقع أمامنا لابد
أن يكون متصلاً بأبعاد أخرى غير منظورة في المكان أو التاريخ ونحن في الإسلام نؤمن
بالتكامل والنظرة الجامعة ونرى كل العناصر مؤدية إلى بناء عمل واحد فلا نفرق بين
التربية أو الأخلاق أو الاقتصاد أو الاجتماع أو السياسة أو الفن.
كذلك فنحن في واقعنا القائم يجب أن تكون
نظرتنا ممتدة إلى يوم أن بعث الله رسوله بهذه الرسالة من ناحية وإلى اليوم الآخر
الذي يقع فيه الجزاء حتماً وأن نعرف أن روابطنا بالأمم ليست حديثة وإنما هي قديمة
جداً، وليست اقتصادية أ وسياسية أو دينية وإنما هي كل هذا.
ولنعرف الحقيقة الكبرى التي رسمها القرآن
وهي أن عالم الإسلام تكون من قلب عالم أهل الكتاب وهو منذ وجد في صراع معه وسيظل
إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.
هذا هو التحدي القائم الذي يجب أن يظاهر
حياة المسلمين وحضارتهم ولا يغيب عنهم لحظة، ذلك أن الأمم لا تموت إلا إذا فقدت عنصر
التحدي أو الطموح، ولقد كانت أزمة المسلمين في مرحلة ضعفهم وتخلفهم هي فقدان عنصر
الطموح والاستنامة إلى ما وصلوا إليه، هنالك اندفع العدو الذي يرقبهم وينتظر منهم
لحظة غفلة فأدال منهم.
(ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم
وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة)، فليأخذ المسلمون بالحذر ليجعلوا التحدي نصب
أعينهم، هذا التحدي الذي هو صورة مغايرة لهدف محدد يتكرر تحت أسماء مختلفة في
التاريخ من حروب صليبية في المشرق إلى حروب الفرنجة في المغرب إلى حروب التتار إلى
الاستعمار الحديث إلى الصهيونية العالمية إلى الدعوات الهدامة من شيوعية وإباحية
والحادية ووثنية ومادية.
ونحن نعرف أن معركة حاسمة دارت بين
الإسلام والغرب هي معركة الحروب الصليبية، وقد عاشها المسلمون بالمقاومة والجهاد
مائتي عام وانتهوا منها بالنصر، ولكن هل كان هذا هو نهاية الشوط بالنسبة للغرب،
وهل توقف طموحه للسيطرة على أرض الإسلام وبلاد الإسلام، أن شيئاً من ذلك كله لم
يحدث، لقد استمرت المؤامرة واضطردت وتبلورت في مفهوم جديد.
كان ذلك المفهوم يتصور أن المسلمين قد
غلبوا الغرب وهزموه لأنهم متقدمون حضارياً وعسكرياً فلابد من هزيمتهم حضارياً
وعسكرياً، فانقض الغرب على ميراث المسلمين ونقل منهج العلم التجريبي وانطلق وسبق
به المسلمين حتى كانت معارك الدولة العثمانية مع الغرب في أخرها تمنى دائماً
بهزيمة المسلمين لأمر واحد هو أن الغرب استحدث أساليباً في الصناعة والحرب عجز
عنها المسلمون.
غير أن الغرب لم يقف عند هذا في صراعه
ومؤامراته ولكنه وصل إلى مقطع الأمر كله وذلك عندما قرر أن تكون الحرب الموجهة إلى
عالم الإسلام هي حرب فكر، ذلك أن المسلمين مهما تخلفوا في ميادين الصناعة والعلم
فسوف تبقى لهم عقيدتهم الراسخة التي تحمل طابع الجهاد والتي تدفع بألوفهم إلى
ساحات الاستشهاد في سبيل الدفاع عن الحق، وعن الأرض، وعن العرض، إذن فالمعركة يجب
أن تبدأ أولاً من هذه النقطة الخطيرة ولابد من تزييف هذه العقيدة وامتصاص ما فيها
من قوة وجهاد وإيمان حتى يفقد المسلمون هذا السر الخطير الكامن في نفوسهم، وقد
تصور الغرب أنهم عندئذٍ يصبحون قطيعاً من السائمة التي تنطوي وتقهر، ومن هنا بدأت
المعركة أطلق عليها أسماء كثيرة:
(التبشير، الاستشراق، التغريب، الغزو
الثقافي، الاحتواء).
الوثيقة الأولى:
لقد وضعت الخطة منذ وقت مبكر وإن لم
تستكشف إلا بعد سنوات طويلة وكانت أولى علاماتها المستكشفة في وصية لويس التاسع
بعد هزيمته في المنصورة بما يمكننا من القول بأن نهاية الحروب الصليبية كانت بداية
المخطط الجديد للغزو الثقافي والفكري ودحر الإسلام كفكر بعد العجز عن دحر أمته.
وتعد وصية لويس التاسع أخطر وثيقة في هذا
الاتجاه فهي التي فتحت الباب واسعاً أمام عملية التبشير والاستشراق.
وعلى أثرها مباشرة بدأت حركة أوربا
المعروفة إلى ترجمة القرآن والتعرف على الإسلام، وبدأت نواة التبشير والاستشراق في
المعاهد الأوربية: دراسة للغة العربية والإسلام والقرآن بمفهوم الرد عليه وإنقاصه
وإثارة الشبهات حوله.
وقد ظاهر هذه الحركة عملية
"سرقة" التراث العربي الإسلامي من البلاد العربية والإسلامية بواسطة
القناصل والتجار وأستميحكم العذر في أن أقول "سرقة" لأن عملية الاستيلاء
على الفكر الإسلامي في الأندلس أيضاً كانت "سرقة" بالرغم من أن المسلمين
كانوا يؤمنون بأن العلم للجميع حتى العلم التجريبي الذي هو الآن من أسرار الأمم
الحديثة والتي عجز المسلمون والعرب خلال قرن ونصف قرن في الحصول عن أصوله
ومعادلاته.
أما المسلمون فكانوا يعملونه في جامعات
الأندلس وجزيرة صقلية في حرية تامة، غير أن الغرب في تناهي حقده لم يقف عند هذا
الحد، بل إنه عزل الموقع الإسلامي كله وصادره بما في وأخرج من المسلمين إخراجاً،
وكذلك فعل في الأندلس حيث أحرزت أوربا كل ثمرات النتاج الإسلامي العلمي والفكري
بأرضه ومعامله ومعاهده وحوائطه، ولم تبق للمسلمين حتى مجرد القدرة على استئناف
تجاربهم وهم في أرض أخرى هاجروا إليها.
لقد عكف لويس التاسع بعد هزيمته في المنصورة خلال محبسه في دار ابن لقمان يفكر ويستعرض هذه الحملات الصليبيةالمتوالية
على بيت المقدس ودمشق ومصر وكيف هزمت هزيمة منكرة وكيف هزمت حملته في
قلب
دلتا النيل، وسبق إلى الاعتقال، وكيف كان المصريون والعرب المسلمون
يقاتلون
ببسالة عجيبة في الدفاع عن بلادهم خلال سبع حملات متوالية ووصل
إلى نتيجة حاسمة:
هي أن المسلمين لا يهزمون ما دام فكرهم باقياً وما
دامت عقيدتهم قائمة
ذلك لأنهم تدفعهم في قوة إلى الاستشهاد في سبيل حماية الزمار ومقاومة الغاصب وتطهير الأرض من
دنس الغزاة، والإسلام يجعل القتال في سبيل تحرير الأرض من دنس الغزاة، والإسلام
يجعل القتال في سبيل تحرير الأرض ديناً وعقيدة ولذلك فإن سبيل الغرب إلى الانتصار
على المسلمين والسيطرة على أرضهم يجب أن تبدأ أولاً من حرب الكلمة ولابد من أن
تقوم في الغرب قوى من الباحثين والدارسين يترجمون القرآن ويدرسون العربية ويعملون
على القضاء على تلك المفاهيم القوية التي تتصل بالجهاد في سبيل الله، فإذا استطاع
الغرب أن يفعل ذلك فقد استطاع أن يقضي على القوة الروحية والنفسية القائمة وراء
تلك المقاومة الجبارة وعندئذٍ يمكن للغرب السيطرة على العالم الإسلامي ومن هذه
النقطة بدأت حرب الكلمة بالتبشير والاستشراق والتغريب والغزو الثقافي والسيطرة على
التعليم والتربية والثقافة والفكر والصحافة، وقد استطاعت هذه الخطة أن تحقق للغرب
انتصاراته التي يمكن أن يطلق عليها الاستعمار الغربي الحديث، ولا ريب أن وثيقة
لويس التاسع تنصح بهذا الاتجاه الخطير وتدعو إليه.
ولقد بلغ لويس درجة القداسة في نظرالغرب؛ لأنه حمل الصليب وحارب به في مصر، ثم كانت حملته التاسعة المشهورة على تونس.
وإذا كانت الحملات الصليبية ثم توقفت منذ استعاد المسلمون عكا بقيادة الأشرف خليل عام 690 هجرية/ 1291 ميلادية، وعلى
أثرذلك قامت الدولة الإسلامية العثمانية الكبرى بعد تسع سنوات لا غير
من سقوط الحروب
الصليبية وهزيمة أوربا، هذه الدولة التي استمرت حتى عام
1337 هجرية الموازية لعام
1918 الميلادي أي أنها استمرت تحمل لواء
الإسلام خمسة قرون ونصف القرن.
نقول إذا كانت الحملات الصليبية قد توقفتمنذ عام 690 هجرية فإن أوربا لم تتوقف فقد استأنفت حركتها مرة أخرى بعد وقت
قصيرحين تدافعت بعد سقوط الأندلس على الطريق الأفريقي من ناحية الغرب
دون توقف:
الأسبان والبرتغال ومن ورائهم الإنجليز والفرنسيين
والهولنديين.
أما في أفق البلاد العربية فإن عام 830
كان علامة الخطر حين بدأت فرنسا في غزو الجزائر وامتدت المعركة إلى تونس فمصر
والسودان. منذ ذل كاليوم بدأت طلائع التبشير تعمل وأخذت حركة الاستشراق تزدهر
وكانت بؤرة العمل هي ساحل البحر الأبيض الشرقي: في مواجهة الشام من الشرق
وإستانبول من الشمال ومصر من الجنوب.
وانتقلت المطابع وبدأت المدارس وتصارعتقوى البروتستانتية الأمريكية والكاثوليكية الفرنسية على تقديم مناهجها.
قوى البروتستانتية الأمريكية والكاثوليكية الفرنسية على تقديم مناهجها.
ثم جاءت حكومات الاستعمار في كل البلاد
العربية فأخذت مناهج مدارس الإرساليات ونفذتها تواً.
وفي عديد من مصادر تاريخ اللقاء بين
الشرق والغرب نجد إشارة إلى وصية لويس التاسع الذي كان أول من أشار إلى تجنيد
المبشرين الغربيين في معركة سلمية لمحاربة تعاليم الإسلام ووقف انتشاره ثم القضاء
عليه معنوياً واعتبار هؤلاء المبشرين في تلك المعركة جنوداً للغرب.
وإذا كانت الحروب الصليبية منذ بدأت 1299 وانتهت 1499 فإن انسحاب المسلمين من الأندلس انتهى 1493 وكان ذلك بعد ان استولى
محمد الفاتح على القسطنطينية عام 1354 (857 هجرية) في ظل ذلك كله بدأ
العمل
تواً على إنشاء قاعدة للغرب في قلب الشرق العربي يتخذها نقطة
ارتكاز له ومعقلاً
لمعركته العقائدية الفكرية التي تستهدف حصار الإسلام
والوثوب عليه.
وقد اختيرت هذه الأراضي على شاطئ البحرالأبيض الشرقي مسرحاً لهذا العمل منذ ذل كالوقت وتحرك العمل بين بيروت
والقاهرةوالقسطنطينية. وفي نفس الوقت الذي كان عمل مماثل يتحرك في تونس
والجزائر ومراكش،
وأعمال أخرى في المناطق الإسلامية في الهند وفي جاوة
وأندونيسيا والفيليبين.
معلشي طولت عليكوا بس دا عشان التاخير